القائمة الرئيسية

الصفحات

أفكار ومفاهيم خاطئة عن اللجوء إلى الدول الأوروبية؟!


نشرت مؤخراً وحدة تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات بحثاً عن لجوء السوريين إلى أوروبا، وأشارت فيه إلى ازدياد وتيرة هجرة السوريين الذين يجازفون بحياتهم من أجل الوصول إلى أوروبا طلباً للجوء خلال الأشهر الأخيرة، وأن الأمم المتحدة تتوقع أن يصل عدد اللاجئين إلى 150 ألف سوري في نهاية سنة 2019. وبحسب المؤلفين، إن موجات اللجوء خارج سوريا بدأت منذ منتصف عام 2012 أيّ “بعد انتقال (الثورة السورية) إلى طور العمل المسلح، 
 
واعتماد النظام سياسات العقاب الجماعي ضدّ السكان في المناطق والمدن الخارجة عن سيطرته. وتزايدت الوتيرة على نحوٍ مطّرد، مع قصف النظام العشوائي للمناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة، ما زاد من إخفاقها في إدارة المناطق المحررة، 
وعجزها عن إيجاد مقومات البقاء الأساسيّة لسكانها، إضافةً إلى انتشار (جماعات جهاديّة) سعت لفرض أفكارها وتصوراتها على المجتمعات المحلية، وارتكبت انتهاكات في حقها”.

في مقالنا هذا سنتناول بعض الأفكار الخاطئة التي انتشرت في الفترة الأخيرة بين السوريين عن المجتمع الأوربي وعن اللجوء إليه وشكلت في أذهانهم صورة مُشَوهة عن هذا المجتمع. يمكننا تلخيص هذه الأفكار في ثماني نقاط رئيسية:

1-الحياة المادية السهلة،

يتصور البعض أنه بمجرد وصول اللاجئ إلى أوروبا ستقوم الدولة المُضيفة بإعطائه بيت كبير مفروش بأحدث المفروشات، وراتب ممتاز يكفيه للمأكل وللشرب وللنزهات والترفيه، لا بل ويستطيع شهرياً أن يوفر مبلغاً منه، وبعد وصوله بأشهر قليلة يستطيع حتى أن يشتري سيارة حديثة فخمة ويعيش حياة الرفاه والدفء.

في الواقع يسكن اللاجئ، في الأشهر الأولى (وربما السنة الأولى)، في مجمعات(كامبات) وأوتيلات بشكل عام غير مريحة أبداً وبعد عدّة أشهر، ربما سنة أو سنتان، تقوم الدولة بتأجيره بيتاً على الأغلب في مناطق الضواحي التي لا يسكنها أو يتجنبها أهل البلد الأصليين.

وأما بخصوص “الر اتب”، فأولاً هذا ليس راتباً وإنما مساعدة اجتماعية هي من حق أي انسان ليس لديه عمل وتقوم الدولة بتقديم هذه المساعدة كي يتمكن اللاجئ من تحصيل عمل بأقصى سرعة ممكنة. على الأغلب هذه المساعدة لا تكفي للحياة بشكل مريح أبداً، لا بل في معظم الدول الأوربية تكون دون مستوى الحد الأدنى للمعيشة (في فرنسا، على سبيل المثال لا الحصر، المساعدة المقدمة للفرد تكون حوالي 460 يورو وتقريبا 790 يورو لعائلة لديها طفل، بينما الحد الأدنى للراتب هو 1100 يورو تقريباً للفرد).

2-الجنس السهل

يتصور البعض (وآخرون يحاولون أن يصوّروا) أن نساء أوروبا، بشكل عام جميلات شقراوات، والأهم من ذلك هو أنهنّ من دون أي قيم أو مبادئ وفي حالة بحث دائم عن أيّ رجل . بعد أيام قليلة من وصول اللاجئ وربما شهرين لا أكثر يكون لديه “صديقة” جميلة شقراء صبية ، ولكن هذا لا يمنعه من التغيير أسبوعياً إن أراد ذلك.

هذه الصورة عن الجنس السهل وعن المرأة الأوروبية، رسمتها أفلام البورنو والمسلسلات التلفزيونية وشطحات الشباب العربي. 
 
كل ما تسمعونه بخصوص هذا الموضوع ليس إلاّ عبارة عن هَوَامات (فنتاسم) وخيالات لا علاقة لها أبداً بالواقع. أضف إلى ذلك أن الصورة الاجتماعية للعربي في أوربا هي سلبية (حتى يُثبت العكس) سواء كان سوري أم لبناني أم مغاربي. وجميع الشباب العربي الذين يعيشون في أوربا يعيشون بؤساً جنسياً مدقع على الأقل أول ثلاث سنوات وإن كان أغلبهم (وليس جميعهم) ينكر أو لا يعترف بهذه الحقيقة الغائبة عمن بقي في سورية. 
هذا البؤس ليس نتيجة كونهم سوريين أو عرب وإنما بسبب تصوراتهم الخاطئة عن المرأة الأوربية والجنس في أوربا، أما تلك الصور التي يضعها بعض اللاجئين والمغتربين على صفحاتهم الفيسبوكية وبجانبهم إحدى الشقراوات عن سابق قصد ومعرفة أن خيال الأصدقاء سيتابع لوحده بقية القصة الجنسية المشوقة ليست إلا دليل على عقد نقصهم وأنهم مأزومون جنسيا بكل ما تعني الكلمة من معنى.

3- تعلم اللغة بسهولة

الفكرة الشائعة عن تعلم اللغة هو أنه أمر سهل ويتم بطريقة أتوماتيكية بحكم أن عملية التعلّم تتم في بلدها الأصلي كما أن الاحتكاك مع السكان الأصليين ودورات اللغة المجانية التي تقدمها البلدان المضيفة تشكل عاملاً حاسماً في عملية التعلم هذه. وبناءً عليه في غضون خمسة أو ستة شهور يتحدث اللاجئ اللغة السويدية أو الألمانية أو الفرنسية بطلاقة!.

أولاً، ما تقدمه دول اللجوء من دورات لغة لا يكفي لأكثر من أن يعرف الإنسان أن يشتري حاجاته الأولية ويقول مرحباُ ويرد السلام.

ثانياً، عملية الاندماج والاحتكاك بالسكان الأصليين ليست مستحيلة ولكنها ليست بالسهولة والبساطة التي يتصورها البعض. في الواقع، يقع أغلب المغتربين في حلقة مفرغة، فعدم القدرة على التواصل بسبب اللغة يمنع الاحتكاك مع السكان الأصليين الذي يشكل بدوره عائقاً لتعلم اللغة.

ثالثاً وهذا الأهم، إن إتقان أي لغة مهما كانت سهلة يحتاج بالحد الأدني لأربع أو خمس سنوات من الدراسة والجدّ، هذا بالنسبة للشباب، أما من تجاوز العقد الرابع من عمره يستطيع تعلم اللغة ولكنه لن يتقنها وستبقى بالنسبة إليه حاجزاً يشكل صعوبة حياتية تختلف حدتها من شخص لآخر.

4-النجاح السهل والراحة النفسية،

ترتبط هذه الفكرة بما قلناه أعلاه عن الحياة المادية المريحة والجنس السهل والاندماج السهل وتعلم اللغة السريع. وغالبا ما يتخيل الناس أن اللاجئ أو المغترب مرتاح نفسيا لا بل يعيش نوعاً من السعادة والرفاه النفسي وخصوصا أن فرص العمل والنجاح الدراسي سهلة في أوروبا وفي متناول الجميع.

في الحقيقة، اللاجئ أو المهاجر ما أن يصل إلى أوربا حتى يشعر بالوحدة والعزلة الاجتماعية والقلق الوجودي. حالة من الضياع والحنين والإحساس بالعجز وصدمة بالواقع، فلا الحياة المادية سهلة ولا الحياة الاجتماعية ممكنة ولا تعلم اللغة سهل. الأوراق الرسمية وحدها بتعقيداتها تشكل صدمةً لمعظم المهاجرين وقد تحتاج إلى سنتين عمل وانتظار كي تنتهي. العزلة الاجتماعية وفقدان العلاقات الحميمية والفراغ وحالة الانتظار كثيراً ما تؤدي مجتمعةً إلى نوع من الاكتئاب. أضف إلى ذلك أن بعض اللاجئين كانت ظروف سكنهم ومعيشتهم في بلدانهم أفضل بكثير من بلدان اللجوء.

5-الأفضلية في اللجوء للسوريين فقط والكثير من غير السوريين ينتحلون صفة سوري ويحصلون على اللجوء

البعض يتصور أن مأساته هي الأكبر وألمه هو الأهم، وبناءً عليه فالأفضلية في اللجوء هي من حق السوريين فقط! هذه الفكرة تعكس نوعاً من الغيرة والأنانية في التعامل مع القضايا الانسانية، فالشعب العراقي والشعب الأفغاني والشعب الفلسطيني والكثير من شعوب أفريقية يعيشون أو عاشوا تقريباً مأساة الشعب السوري نفسها، فلا أفضلية لشعب على آخر.

أما في ما يخص انتحال البعض للجنسية السورية من أجل الحصول على حق اللجوء فهو واقع، وقد حصل الأمر نفسه في عام 1990 حين حاول بعض السوريين الإدعاء أنهم عراقيون أو لبنانيون من أجل الحصول على حق اللجوء في أوربا. هذا لا يهم، فمهما حاول البعض التمثيل أنه سوري وأجاد ذلك، تكفي ربع ساعة مقابلة مع أيّ موظف في مكاتب اللجوء الأوربية لكشف زيف إدعاءاته.
 
 إذا القول أن بعض اللبنانيين والأفارقة أو الباكستانيين والهنود حصلوا على اللجوء بعد إدعائهم أنهم سوريون ليس صحيحاً. طبعاً الأفغان والعراقيون والفلسطينيون ليسوا مضطرين للقول أنهم سوريون لكي يحصلوا على حق اللجوء لأن بلدانهم تعتبر من البلدان المضطربة وتعاني من الحروب تماماً كسورية.

6-فقط المعارض هو من يحق له طلب اللجوء ومعظم طالبي اللجوء هم موالون لنظام الأسد وشبيحة 
(البعض يذهب للقول أنهم يشكلون نسبة 80 % بالمائة من طالبي اللجوء)،

اللجوء حق تضمنه القوانين الأوربية والعالمية لمن تكون حياته مهددة بالخطر وليس نتيجة لذلك الموقف السياسي أو غيره. إذاً أيّ سوري سواء كان معارضاً أو موالياً لنظام الطاغية يحق له طلب اللجوء والحصول عليه إن استطاع إثبات أن حياته مهددة أو في خطر.
 
 وبناءً عليه، كل من هو مطلوب للخدمة العسكرية أو هارب من براميل النظام ومخابراته وشبح الاعتقال والتعذيب أو من مضايقات الشبيحة والحواجز أو من قذائف الهاون والسيارات المفخخة وشبح الخطف والحرب والتهجير والدمار سواء كان يعيش في مناطق خاضعة لسيطرة النظام أو سيطرة الفصائل المسلحة يحق له طلب اللجوء بحسب القوانين الأوربية. خلاصة القول، هناك شعور بعدم استقرار وانعدام للأمان عام في كل سوية، وكل السوريين يعيشون في خطر وإن اختلفت درجته من منطقة لأخرى وهذا يكفي لأن يعطيهم الحق في طلب اللجوء.

أما بخصوص مقولة أن معظم طالبي اللجوء في أوربا هم من المؤيدين، وحتى أن البعض يذهب للقول أن ثمانين بالمئة من اللاجئين هم مؤيدون وشبيحة! فهي مثيرة للدهشة والسخرية معاً، فلا أحد يعرف كيف توصل أصحاب هذا الرأي لهذه النتيجة وهذه النسبة وكأنهم أجروا دراسات إحصائية وميدانية عن اللاجئين في أوربا!

في الوقت الراهن ونتيجة بربرية النظام من جهة، وداعش وأخواتها من جهة أخرى، وفقدان الأمل بالحل على المدى القريب، فإن أيّ سوري هو مشروع لاجئ ويحق له ذلك سواء كان معارضاً أو مؤيداً، فقيراً أو غنياً

7-الاندماج الاجتماعي يعني الانسلاخ عن الهوية والثقافة السورية والانصهار في المجتمع الأوربي،

الكثير لا يمييز بين “الاندماج الاجتماعي” في المجتمع المُضيف وبين “التماهي” مع المجتمع المُضيف. هناك فرق كبير بين الحالتين على الصعيد السلوكي والنفسي. لا أحد يطلب في أوروبا من اللاجئ الانسلاخ عن هويته وثقافته والانصهار في هوية وثقافة المجتمع المضيف بشكل كامل (التماهي). يستطيع اللاجئ أو المغترب، وهو أصلاً مطالب بذلك، الاندماج الاجتماعي، أي الحفاظ على بعض خصائص هويته وثقافته الأصلية كاللغة والديانة والعادات والتقاليد وفي الوقت نفسه التواصل مع المجتمع المضيف والعمل فيه وتبني خصائصه الثقافية وقيمه قدر الامكان.

لا يجرأ أحد وحتى لو كان من أقصى اليمين المتطرف العنصري أن يطلب منك كلاجئ أو كمهاجر التخلي عن صلاتك وصيامك وقيمك الثقافية والدينية كي تحصل على حقوقك. على سبيل المثال وليس الحصر، في فرنسا والتي يُعتبر نظامها ودستورها من أكثر الأنظمة التي تفصل الدين عن الحياة السياسية والعامة يوجد دائماً في المطاعم العامة (مطاعم المدارس والمستشفيات والجامعات…) وجبة غذائية مع السمك بجانب الوجبات الغذائية مع اللحوم الأخرى وذلك كي لا يُحرم من هم من أصول مسلمة من الأكل. 
 
 المطلوب منك في الاندماج الاجتماعي، الحفاظ على هويتك الخاصة والانفتاح على هوية البلد المضيف، أي التوفيق قدر الامكان بين قيم ومعايير البلد المضيف، وقيمك ومعاييرك الثقافية الخاصة، وتعلم اللغة والعمل واحترام ثقافة البلد المضيف.

8-طالبو اللجوء باحثون عن الرفاه والبذخ

طالبو اللجوء لا يبحثون عن المال والرفاه والبذخ، هم هاربون من جحيم الحياة في سورية ومن الضياع واليأس والخوف، فمع ارتفاع مستويات الخطر والعنف في جميع مناطق سورية بجميع أشكاله المادية والجسدية والنفسية والتضييق على اللاجئين السوريين في مصر ولبنان والأردن وتوسّع داعش في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة وسيطرته على مناطق واسعة من سورية، كان آخرها تدمر وريف حلب، وفقدان الأمل بحل، وخصوصاً بعدما زادت وتيرة الدعم العسكري للنظام من جهة،
 
 وللفصائل المعارضة من جهة أخرى، دفعت السوريين للوقوع في حالة من الاحباط واليأس سواء كانوا معارضين أو مؤيدين. وتوقعْ استمرار الحرب لسنوات طويلة، فضلاً عن حاجة سورية إلى عقود حتى تتمكن من تجاوز آثار الدمار والخراب. 
 
هذه الحالة دفعت ببعض السوريين، مواليين ومعارضين، وحتى ببعض السوريين المقيمين في دول الخليج إلى طلب اللجوء إلى أوربا بحثاً عن استقرار وأمان لهم ولعائلاتهم وعن مستقبل لأطفالهم.

ربما يقول أحدهم: “ولكن من يعيش في دول الخليج يعيش في أمان واستقرار وليس من حقهم طلب اللجوء”. 
 
ولكن من يعيش في هذه الدول يعرف أن القوانين يمكن أن تتغير بين يوم وليلة وأن هذا الأمان ليس إلا وهم مرهون بهذه القوانين.
 
 والأهم من ذلك كله هو أنه من فقد وطنه لا يمكن أن يعيش بأمان وأن يشعر بالاستقرار وهو مغترب في الخليج، محروم من الكثير من الحقوق التي تضمنها دول أوربا بشكل عام (الجنسية والإقامة الدائمة والضمان الصحي والمساواة، ونحو ذلك).

بالمحصلة،

من اختار درب اللجوء فقد الأمل بأي عيش كريم آمن في سورية أو في دول الجوار، وهو يريد أن ينقذ نفسه وينقذ أطفاله. معظم اللاجئين يحلمون ببيت وبالدفء وبمستقل لائق مفتوح الاحتمالات لأولادهم بعيداً عن الحرب والخوف والفقر. 
 
هم سوريون فقدوا الأمل بالتغيير وبالحصول على أدنى حقوقهم الانسانية. إحباطهم ويأسهم ومتاعب الغربة النفسية والمادية تمنع بعضهم حتى من المشاركة الفعالة في الإعتصامات والمظاهرات من أجل بلدهم وقضيتهم، ليس لأنهم نسوا سورية وإنما بسبب إحساسهم باللاجدوى واليأس. سوريا تعيش معهم في داخلهم في كل خطوة من خطواتهم وبكل لحظة يقضونها في بلد اللجوء.

أوربا ليست الجنة المفقودة والنجاح فيها لا يتحقق بسهولة وكل ما يُقال عن الرفاه والسعادة والراحة مبالغ به، ومع ذلك مقارنةً بالوضع القاسي واللا إنساني في سورية يبقى خيار اللجوء حق لكل سوري لا يُلام عليه، على الأقل في أوربا يشعر الانسان بالأمن والأمان الحقيقي وبإنسانيته وبكرامته وهذه مسائل لا يستهان بها.

بالتأكيد في المجتمعات الأوربية من يسعى للاندماج والتعلم والعمل سينجح بالتأكيد وهذا واجب عليه، فعلى كل سوري لاجئ أو مغترب أن يشعر أنه سفير لشعبه ووطنه ونجاحه على الصعيد الاجتماعي والثقافي والمهني هو جزء من نضاله ورسالته من أجل هذا الشعب.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  1. محمد حسن محمد احمد من سودان اريد الذهاب إلى كندا تلفون 0113140219

    ردحذف

إرسال تعليق